السيرة النبوية لمحمد بن اسحاق في رواية بكر بن حارثة الجهني



أخبرنا أبو المظفر حامد بن أبي العميد بن أميري القزويني قال حدثنا أبو العباس أحمد بن اسماعيل بن يوسف بن محمد القزويني قال أخبرني أبو نصر محمد بن عبد الله الأرغيانيإذنا قال أخبرنا القاضي الشهيد أبو المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل الروياني قال أخبرنا جدي قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن الحسين الفقيه قال أخبرنا أبو العباس عبيد الله بن جعفر الحضري قال أخبرنا عبد الله بن محمد أبو محمد الأنصاري قال أخبرنا عمارة بن زيد قال أخبرنا بكر ابن حارثة عن محمد بن اسحاق عن عيسى بن عمر عن عبد الله بن عمرو الخزاعي عن هند بنت النجود قالت نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيمة خالته أم معبد ومعه أصحاب له فكان في أمره في الشاةما قد عرفه الناس فقال في الخيمة هو وأصحابه حتى أبرد وكان يوم قائظ شديد حره فلما قام من رقدته دعا بماء فغسل يديه فأنقاهما ثم مضمض فاه ومجّه إلى عوسجه كانت إلى جنب خالته ثلاث مرات فاستنشق واستنثر ثلاثا ثلاثا إلى أن قالت ثم مسح رأسه ما أقبل منه وأدبر مرة واحدة ثم غسل رجليه ظاهرهما وباطنهما والله ما عاينت § أحدا فعل ذلك قبله وقال ان لهذه العوسجة لشأنا ثم فعل ذلك من كان معه من أصحابه مثل ذلك ثم قام فصلى ركعتين فعجبت وفتيات الحي من ذلك وما كان عهدنا بالصلاة ولا رأينا مصليا قبله فلما كان من الغد أصبحنا وقد علت العوسجة حتى صارت كأعظم دوحة عادية قامتها وخضد الله شوكها وساخت عروقها وكثرت أفنانها واخضرت ساقها وورقها وأثمرت بعد ذلك واينعت بثمر كاعظم ما يكون من الكمأة في لون الورس المسحوق ورائحة العنبر وطعم الشهد والله ما أكل منه يعني جائع إلّا شبع ولا ظمآن إلّا روي ولا سقيم إلا برىء ولا ذو حاجة وفاقة إلا استغنى ولا أكل من ورقها ناقة ولا شاة إلا درّ لبنها ورأينا النماء والبركة في أموالنا منذ يوم نزل بنا وأخصبت بلادنا وأمرعت فكنا نسمي تلك الشجرة المباركة وكان ينتابنا من حولنا من أهل البوادي يستشفون بها ويتزودون في الأسفار ويحملون معهم في الأرضين القفار فتقوم لهم مقام الطعام والشراب فلم تزل كذلك على ذلك حتى أصبحنا ذات يوم وقد تساقط واصفر ورقها فأحزننا ذلك وفزعنا له فما كان إلا قليل حتى جاء نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو قد قبض في ذلك اليوم وكانت بعد ذلك تثمر ثمرا دون ذلك العظم والطعم والرائحة وأقامت على ذلك ثلاثين فلما كان ذات يوم أصبحنا فإذا هي قد أشوكت من أولها الى آخرها وذهبت غضارة عيدانها وتساقط جميع ثمرها فما كان إلا يسيرا حتى بلغنا مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فما أثمرت بعد ذلك قليلا ولا كثيرا فانقطع ثمرها فلم نزل ومن حولنا نأخذ من ورقها ونداوي به مرضانا ونستشفي به من أسقامنا فأقامت على ذلك مدة وبرهة طويلة ثم أصبحنا يوما وإذا بها قد أنبعت من ساقها دما عبيطا جاريا وورقها ذابل يقطر ماء كما اللحم فعلمنا أن قد حدث حدث عظيم فبتنا ليلتنا فزعين مهمومين نتوقع الداهية فلما أظلم الليل علينا سمعنا نداء وعويلا من تحتها وجلبة شديدة وضجة وسمعنا صوت باكية تقول يا بن الوصي ويا بن البتول ويا بقية السادة الأكرمينا ثم كثرت الرنات والأصوات فلم نفهم كثيرا مما كانوا يقولون فأتانا بعد ذلك § قتل الحسين بن علي عليهما السلام ويبست الشجرة وجفت وكسرنها الرياح والأمطار بعد ذلك فذهبت واندرس أثرها قال أبو محمد الأنصاري فلقيت دعبل بن علي الخزاعي بمدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فحدثته هذا الحديث فلم ينكره وقال حدثني أبي عن جدي عن أمه سعدى بنت مالك الخزاعية انها ادركت تلك الشجرة وأكلت من ثمرها على عهد علي بن أبي طالب وانها سمعت في تلك الليلة نوح الجن فحفظت من قول جنية منهن قالت يا بن الشهيد ويا شهيد عمّه خير العمومة جعفر الطيار عجب لمصقول أصابك حدّه في الوجه منك وقد علاك غبار.